يتفاوت الناس في شخصيّاتهم وردود أفعالهم وأقوالهم، فالبشر يختلفون من حيث الطباع، بقول ما يريدونه وفعل ما يقولونه. وغالبًا ما نطرح على أنفسنا السؤال التالي: متى نقول كلاّ؟! متى يمكننا أن نرفض ما يطلبه منّا الآخرون ومتى لا نتردّد بقول ذلك لهم. قد يرى البعض أن المسألة أسخف من المناقشة إلاّ أنّها أمر مهمّ جدّاً بالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين عليهم تعلّم كيف يقولون كلاّ من حين إلى آخر.
هل تساءلت يومًا "لمَ لا يمكنني أن أقول كلاّ؟" هل مررت بفترات أردت أن تصرخ فيها بأعلى صوتك "لا أريد"! هل تضطرّ في العديد من الأحيان إلى القبول بما يفرضه الآخرين وما يقولونه؟
إنّه أمر طبيعي لأنّنا دائمًا ما نجد أشخاصًا يطلب إليهم القيام بأمور عديدة إلاّ أنّهم لا يناقشون، لا يسألون ولا يتردّدون بقول "نعم" إما خوفًا من الآخرين أو لأنّهم ببساطة لا يثقون بقراراتهم الشخصيّة.
الحقيقة هي كالتالي: لست ملزماً كإنسان له كيانه الخاص وشخصيّته التي تميزه عن آلاف الآخرين أن تقبل دائمًا ما "يفرض" عليك من الآخرين. إلا أنّ الأمر يختلف وفقًا لإختلاف الموضوع والموقف والشخص الذي يطلب منك المساعدة أو الخدمة.
وهذا لا يعني بالضرورة أنّك ينبغي أن تقول دائمًا نعم للصديق، الحبيب أو حتّى العائلة، كما أّنه لا يلزمك برفض مساعدة الآخرين؛ ووفقًا لمفهوم الحياة، لكلّ الأشياء حدّها الطبيعي ولها مستوى معيّن من المنطق الذي لا يمكنك أن تقبل بعكسه فقط لأنّك مضطرّ لذلك أو بسبب معرفتك الوثيقة بالشخص الآخر. عليك أن تتعلّم من ومتى ينبغي أن ترفض، عبر قياس الأمور بما يناسب الآخرين ويناسبك أنت شخصيّاً.
أبسط مثال على ذلك القرارات التي يفرضها بعض الأهل على أولادهم ودفعهم لاتّخاذ القرارات التي يرونها صائبة، فلا يتركون لهم مجال الإختيار بين الفرص المتاحة. ومن هذه الخيارات خيارات الدراسة الجامعيّة حيث يفرض بعض الأهل نوع الدراسة على أولادهم وهم لا يدركون أنّ فشل أولادهم في عمله هو نتيجة المجال الذي اختير لهم وعنهم.
نعم، على الأهل أن ينصحوا أولادهم في قراراتهم المصيريّة. إلاّ أنّ إبداء الرأي والنصيحة أبعد البعد عن فرض الرأي، بل التوجيه فقط. وإذا اتّضح أنّ القرار الشخصي خاطئ، ستعلم أنّك أنت من تسبّب به ولن تضطرّ إلى لوم الآخرين. لهذا السبب تواجد العقل، للتفكير بخلفيّات الأمور وما يترتّب عليها من نتائج. وهذا بالطبع ليس سوى مثال حول موضوع واحد.
لا يكون الحل عادة عبر التهرّب من الأسئلة أو محاولة التملّص عبر الإجابات المبهمة بل يجب أن تكون صريحًا بكلام يخلو من الشبهات أو التأويل. نعم تعني نعم وكلاّ لا يمكنها أن تعني سوى كلاّ، إنّها الحياة لا تحتاج إلى التعقيد أكثر ممّا هي عليه الحال.
ليس عليك أن تتحمّل عبء القيام بمهمّات الآخرين التي يجب أن تكون من مسؤوليّتهم، ليس عليك أن تقبل بما يفرضه الغير، وبالطبع لست مجبرًا على القيام بما يفوق قدراتك وطاقاتك الشخصيّة فقط لإرضاء الآخرين.
وفي العموم قد تقول كلاّ وبعدها يتراكم الشعور بالذنب، فتظنّ أنّك خذلتهم.
يقول أحد الخبراء في هذا الصدد أنّ "الشعور بالذنب بعد كلاّ هي من عوارض "مرض الإرضاء". وقول نعم عندما تحتاج إلى قول كلاّ ينجم عن الرغبة في أن نرضي الآخرين وفي شعورنا في أنّهم سيهملوننا ما لم نقم بما يرضيهم".
من المؤكّد أنّه من الأسهل قول نعم للآخرين، لكن عندما يصبح الأمر على حساب راحتك، عليك أن تبدأ باستخدام كلاّ في إجابتك على الأقلّ للتخفيف من الضغوطات بالأخصّ في ما يتوقّع منك القيام به.
لا تشكّك في جرأتك، فهي أبسط ممّا قد تتوقذع... كلاّ، لا أريد، لا أستطيع، لا أقدر، لا. إنّها كلمات سهلة وقولها قد يكون صعبًا بالنسبة إليك. وقد تجد نفسك في بعض الأوقات في موقف حرج حيث يصبح قولها من المستحيلات. إلا أنّه أيضًا لن يكون قول كلاّ سهلاً إذا كنت دائمًا تقول نعم للجميع.
لا يفترض بك العيش فقط لإرضاء الآخرين، فكما يقال لن نعيش هذه الحياة سوى مرّة واحدة، فإن كان هدفنا سعادة الآخرين فحسب وتصرّفنا كما يتوقّع الآخرون منّا فالأفضل أن لا نعيشها بتاتًا.
تحياتي
عصــــــــــــــام